التغير المناخي.. نحو مواجهة شاملة
هل أصبحت الانبعاثات الكربونية شمَّاعةً تُعلَّقُ عليها الكوارث الطبيعية كلها، حتى إن لم تكن هي السبب الوحيد لتغير المناخ، وبغض النظر عن أسبابٍ أخرى؟ لا شك في أن هذه الانبعاثات تتسبب في كوارث كبيرة، ولهذا لا يتوقف العمل من أجل وضع حد لها، رغم تفاوت الإسهامات فيه، إذ لا يزال دور دولٍ كبرى تتسبب في القدر الأعظم منها أقل مما تقوم به دول ناهضة، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تواصل القيام بجهود هائلة استعداداً لدورة «كوب 28» بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر المقبل.
وبدون التقليل من آثار الانبعاثات وأهميتها، بات ضرورياً أن تحظى العواملُ الأخرى التي تؤدي إلى تغير المناخ باهتمام مماثل، ومن أهمها القطع الجائر لأشجار الغابات. فالمثير للانتباه أن ردود الفعل على حرائق الغابات كل عامٍ تنصب على الانبعاثات الكربونية، فيما يقل الاهتمام بأثر الأنشطة المتزايدة التي تقوم بها شركات كبرى وشبكات جريمة منظمة في قطع أعدادٍ هائلة من الأشجار في هذه الغابات.
وتؤدي حرائقُ الغابات في صيف كل عام إلى تدمير مساحات يُعتد بها، فيما يُجْهِزُ القطْع الجائرُ للأشجار على مساحاتٍ أخرى طول العام. ولا يوجد إحصاء حتى الآن لحجم هذه المساحات وتلك، لكن الحاصل أن شركاتٍ كبيرةً تسيطر على مساحات ضخمة في كثير من الغابات، وتُحقَّق مكاسب هائلة من اقتلاع الأشجار وبيعها واستغلال الأراضي التي تُخلى منها في أنشطةٍ اقتصادية مختلفة يؤدي كثيرٌ منها إلى زيادة الانبعاثات الكربونية.
ولدى بعض هذه الشركات نفوذ يحميها لقدرتها على النفاذ إلى بعض مؤسسات الدول التي توجد فيها. ولهذا يتمكن أكبرها من تقنين استخدام الغابات، كما يتضح من تقرير «حالة الغابات في العالم 2022» الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
وهناك أيضاً شبكات جريمة مُنظَّمة تستخدم العنف والاحتيال لاستغلال مساحات من الغابات. وما يحدث في غابات الأمازون، التي توصف بأنها رئة الأرض، أحد أبرز الأمثلة على ذلك. ولهذا كان الوعد بإنقاذها بنداً رئيسياً في برنامج الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا في انتخابات العام الماضي. لكن مهمته، وغيره ممن يسعون إلى وقف القطع الجائر لأشجار الغابات، صعبةٌ في مواجهة شركاتٍ وشبكاتٍ عاتية. فهذه المهمة تحتاج إلى عمل دولي كبير ومُنظم، خاصةً أن الغابات الأكبر في العالم يمتدُ كل منها عبر أراضي دولٍ عدة.
كما أن الشركات والشبكات التي تُدمر هذه الغابات عابرةٌ للدول، مما يزيد قوتها. ولعل الخطوة الأولى هي إعطاء اهتمام أكبر لبرنامج الأمم المتحدة لتقليل الانبعاثات المترتبة على إزالة الغابات REDD، وتطوير العمل في صندوق المناخ الأخضر التابع له، ومراجعة أدائه بعد أن كشف تقريرٌ مُوثَّق لمنظمة «لوكال فيوتشرز» وجود شركاتٍ تتحايل للحصول على تمويلٍ منه ثم تزرع أشجار الأخشاب التجارية لتقطعها وتبيعها. لا سبيل، إذن، إلى وقف التغير المناخي من دون مواجهةٍ شاملةٍ لكل العوامل التي تؤدي إلى زيادة احترار الأرض.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية