مراكز تنقية الهواء.. المنافع والأضرار
لا تعرف رويشتا أوزين (38 عاماً) عن التلوث سوى شيء أو شيئين. يحيط بمنزلها في كالكيزيو باريش بولاية لويزيانا، 12 منشأة للبتروكيماويات التي تحرق المواد الكيميائية الضارة في كثير من الأحيان.
لكن «أوزين» تشعر بالقلق من منشأة أخرى من المقرر إنشاؤها على مقربة من منزلها. وخلافاً للمنشآت البتروكيماوية الأخرى، من المفترض أن تساعد المنشأة الجديدة في محاربة التغير المناخي وتحظى بدعم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، كجزء من استثمار قدره 1.2 مليار دولار.
ترى أوزين أن «الجميع يعارضون أي مشروع جديد ينشأ هنا». وأوضحت ذلك الموقف بقولها: «لا نريد أن نكون دمى اختبار للتأكد من مدى نجاح المشروع». وبالرغم من مناشدات أوزين وآخرين، أعلنت إدارة بايدن في الأيام القليلة الماضية أن «كالكيزيو باريش» ستكون واحدة من أوائل المواقع في الولايات المتحدة التي اختيرت لتكون مركزاً مباشراً لتنقية الهواء.
ففي هذه المنطقة، سيطبق معهد «باتيل» التذكاري من خلال الشركات والباحثين تقنية رائدة لسحب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه تحت الأرض. يقول الباحثون إن التقنية الجديدة ضرورية لدرء أسوأ آثار التغير المناخي، لكن المعارضة المحلية التي تستند إلى العدالة البيئية تُظهر التحديات التي تنتظر التقنية الجديدة. كما أنها تمثل مشكلة سياسية للرئيس جو بايدن، الذي تعهد في حملته الانتخابية وكرئيس بأن يناضل من أجل مجتمعات الأقليات محدودة الدخل المهمشة.
ويرى العلماء أن العالم سيحتاج، بحلول منتصف القرن، على الأرجح إلى تنقية الهواء من مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بغرض ألا يتجاوز ارتفاع حرارة الكوكب عن 1.5 درجة مئوية. ولا تشعر «أوزين» بالقلق من التغير المناخي، فمنزلها تضرر من العواصف، بما في ذلك إعصارا «لورا» و«دلتا» اللذان ضربا المنطقة في 2020. وأبدت تشككها في مدى نجاح تقنية تنقية الهواء كما هو معلن، فالتقنية الوليدة لا تتخلص في الوقت الحالي إلا من عدة آلاف الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في العام. وتشعر بالقلق أيضاً من أنبوب سينقل ثاني أكسيد الكربون إلى أماكن التخزين سيقطع طريقاً يبعد أقل من ميلين من فناء منزلها، وهو تخوف قائم في مناطق أخرى من البلاد.
وعبرت هي وآخرون عن معارضتها للمشروع أثناء جولة لمسؤولين من وزارة البيئة وأيضاً في اجتماعات على مستوى الحي في وقت لاحق شارك فيها 50 من سكان «كالكيزيو باريش»، حيث يعيش واحد من كل خمسة أشخاص تحت خط الفقر. وذكرت «إليدا كاستيلو»: «إنهم قالوا إن لديهم تفويضاً من الكونجرس لطرح هذه المشروعات»، واصفةً ما قاله لها ولأفراد آخرين من الحي في اجتماع عقد بعد الإعلان عن العقود الفائزة مسؤولو وزارة الطاقة ومن بينهم «شالندا بيكر»، مديرة إدارة التأثير الاقتصادي والتنوع في الوكالة.
وأوضحت «كاستيلو» التي تعمل كمديرة برنامج «تشسبا تكساس»، الذي ينظم عمل التنظيمات القاعدة للمنحدرين من أميركا اللاتينية إنها تشعر بالقلق، مثل، «أوزين»، من أن مشروعاً آخر لإنشاء مركز لتنقية الهواء سيديره فرع لشركة «أوكسيدنتال بتروليوم» النفطية، سيحتجز الكمية المستهدفة من ثاني أكسيد الكربون، موضحةً أنها لا تمتلك التفاصيل الكافية عن المشروع ولا عن الفائدة التي ستعود على المجتمع من البرنامج المقترح.
وأضافت «كاستيلو»، التي تعيش على بعد 20 ميلاً تقريباً شمالي كوربوس كريستي بولاية تكساس، أن المسؤولين «يعرفون أن الجماعات المحلية لديها مخاوف كبيرة بالنسبة لكل المشروعات من هذا النوع». ومضت تقول: «يتعين علينا ضخ استثمارات أكبر في مشروعات الطاقة المتجددة».
وقالت وزارة الطاقة إن مراجعيها نظروا إلى المزايا الفنية وخطط تخفيف الآثار السلبية والمنافع المجتمعية عند اختيار المشروع. وأضافت الوكالة أنها تشترط «المشاركة الهادفة مع المجتمعات المضيفة والعمال المتضررين» كجزء من خطة للمنافع التي ستعود على المجتمع من مراكز تنقية الهواء.
وأوضحت الوزارة في بيان أنها «تقر بالمخاوف الحقيقية المرتبطة بالضرر الواقع بالفعل على المجتمعات التي تعاني نقص الخدمات، وتعمل على أن تحقق هذه المشروعات المختارة منافع اقتصادية ومزايا للصحة العامة للمجتمعات المثقلة بالأعباء بالفعل، لتجنب الضرر والتوافق مع رؤية الرئيس لمستقبل عادل للطاقة النظيفة».
وأوضح معهد باتيل في بيان أنه ملتزم «بالتواصل المستمر الذي يسير في اتجاهين» مع السكان في المنطقة، وأنه يعتزم «إشراك أصحاب المصلحة» مع تطور المشروع. وتقليص الكربون مكون حاسم في هدف بايدن الخاص بالوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050. وتقدر الإدارة أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى إزالة واحتجاز وتخزين ما يصل إلى 1.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً لتحقيق هدفها.
إنها تقترح مراكز تنقية الهواء التي تمول باستخدام جزء من مبلغ 3.5 مليار دولار مخصصة لها بموجب تشريع للبنية التحتية وافق عليه الحزبان، كخطوة أولى في شبكة وطنية لمشروعات إزالة الكربون.
وتستهدف الإدارة أن يزيل كل مركز من هذه المراكز مليون طن من الكربون سنوياً بنهاية العقد الحالي. وصرحت «جنيفر جرانهولم»، وزيرة الطاقة، للصحفيين عند الإعلان عن التمويل أن «هذه المراكز ستساعدنا لإثبات القدرات الكامنة في هذه التقنية التي تغير قواعد اللعبة كي يتسنى للآخرين أن يحذوا حذوها».
ومضت تقول: «هذا تطبيق لخطة بايدن الاقتصادية وعمل استثمارات ذكية في صناعاتنا وفي عمالنا ومجتمعاتنا». لكن التقنية الجديد تواجه معارضة من جماعة العدالة البيئية التي تقول إن مراكز تنقية الهواء تتعارض مع تعهد بايدن بتحسين حياة المجتمعات المهمشة الأشد تضرراً من التلوث السام والتغير المناخي وإعطائها الأولوية.
وترى هذه الجماعات أن المراكز مثال آخر لا تتفق فيه أقوال الإدارة وأفعالها. ومن بين المخاوف أنه سيجري إنفاق مليارات الدولارات على تقنية يقولون إنها لم تخضع لاختبارات من الناحيتين التكنولوجية والاقتصادية، وإنها قد تسمح لصناعة النفط والغاز بمواصلة نشاطها المعتاد.
ومعارضة السكان المحليين ومجتمع العدالة البيئية الأوسع تشكل تحدياً كبيراً لإدارة بايدن ومؤيدي التقنية الجديدة. فالمخاطر كبيرة والفشل سيجعل الطريق لتطبيق مراكز تنقية الهواء أصعب بكثير.
*صحفي متخصص في شؤون البيئة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكشن»