أوكرانيا.. والمطالب القاسية
يُعد فولوديمير زيلينسكي «بطل العالم الغربي»، لكنه ليس بطل «بقية العالم».
فشجاعته، وجاذبية شخصيته، وحقيقة أنه خاطر بالبقاء على رأس بلاده وفي كييف حينما كان يُخشى من أن تصل القوات الروسية إلى العاصمة وتُقرر مصيره بكل تأكيد -- والمرء يتذكر عبارته الأسطورية «لستُ في حاجة إلى سيارة أجرة، بل إلى أسلحة» التي صدرت رداً على الأميركيين الذين عرضوا عليه تهريبه من أجل إنقاذ حياته -- وحقيقة ظهوره على الجبهة.. كل ذلك جعل منه «بطلاً» في العالم الغربي.
وهكذا، من مهرجان «كان» السينمائي إلى مختلف البرلمانات الوطنية، يُستقبل فولوديمير زيلينسكي بالتهليل والتصفيق في كل مكان. غير أنه لئن كان يتحلى بشجاعة وتصميم لا يمكن إنكارهما، فإن هناك وجهاً آخر للعملة: أن فولوديمير زيلينسكي بطلٌ متطلبٌ للغاية. ذلك أنه يطلب المساعدة، ولكنه هو من يفرض شروطه على الدول الأخرى. وحينما يلقي خطابات على البرلمانات الوطنية المختلفة، يطالب زيلينسكي الشركات الوطنية بمغادرة روسيا بشكل فوري حتى لا تُتهم بالتواطؤ. وقد اتهم المستشارةَ الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي صراحة بالتواطؤ في جرائم حرب بسبب السياسات التي اتبعاها إزاء روسيا.
ورفض في البداية السماح للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بزيارة كييف بدعوى أن هذا الأخير كان مقرباً جداً من روسيا. والواقع أن هناك شيئاً غريباً في هذا الموقف: ذلك أنه حينما يطلب قائدٌ المساعدة، فإنه لا يعامل شركاءه بمثل هذه الطريقة القاسية. زيلينسكي لم يكن هو من يجري وراء القادة الأوروبيين، بل إن القادة الأوروبيين هم الذين كانوا يجرون وراء زيلينسكي من أجل الحصول على شهادات تقدير.
واللافت أيضاً أن زيلينسكي كان أكثر تطلباً مع الأوروبيين منهم مع الولايات المتحدة. كما كان يبدو أقل قسوة في تصريحاته حينما لم تكن الولايات المتحدة تلبّي طلباته. وبالإمكان هنا التساؤل حول ما إن كان لا يغالي في ما يفعله، وما إن كان سلوكه سيتسبب في إتعاب شركائه في النهاية. والواقع أنه بدأ يُتعب بالفعل. والمفاجأة لم تأتِ من أولئك الذين كانوا الأكثر تردداً في دعمه في البداية، وإنما من أقرب حلفائه. فخلال قمة حلف الناتو في يوليو 2023، كان وزير الدفاع البريطاني، وهو الشخص نفسه الذي كان حصل على ترخيص بتسليم أوكرانيا طائرات «إف 16»، هو الذي قال: «لسنا أمازون»، ولسنا «كتالوجاً يمكن أن يختار منه ما يريد»، مؤاخذاً إياه على جحوده.
وفي الآونة الأخيرة، كانت بولندا البلد الذي ذهب إلى حد رفض تصدير الحبوب الأوكرانية، ما أدى إلى تصريحات قوية للغاية من أوكرانيا ضد بولندا تتحدث عن «حلفاء مزيفين»، وأولئك الذين لا يحترمون التزاماتهم... تصريحات دفعت رئيس الوزراء البولندي إلى إعلان اعتزامه إيقاف شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.
الرئيسُ البولندي تراجع لاحقاً عن هذا القرار قائلاً «لم يتم فهمي بشكل جيد»، غير أن المرء يرى أنه إذا كانت بولندا أقرب بلد إلى أوكرانيا، والبلد الذي تتقاسم معه كييف موقفها تجاه روسيا، وبولندا التي يقال إنه ينبغي الاقتداء بها لأنها كانت واضحة منذ البداية... فإن الرئيس البولندي أندجي دودا هو الذي قال إن «أوكرانيا تتصرف مثل غريق يتمسك بكل ما يمكن أن تقع عليه يداه».
والواقع أنه ليس من العبث أن البلدين الأقرب إلى بولندا هما اللذان بدآ في قول: «كفى!». ذلك أنه لا يمكن قبول كل هذه الأساليب.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس