علمتنا كرة القدم ألا نكون جازمين ولا قاطعين في الأحكام، فقد أرتنا من تمردها على المنطق أشكالاً وألواناً، إلا أنها لا تفتأ ترسل لنا الإشارات، وما رأيته من بشارات في مباراة العين والفيحاء، في ثالثة جولات دوري أبطال آسيا، يجعلني أتمرد قليلاً على قواعد التحفظ وأحكام النسبية، لأقول إن ما شاهدته، من العرض الكروي الجميل للعين أمام الفيحاء، يؤكد أن «الزعيم» باتت له شخصية قوية جداً، يفرضها على أي مباراة، يضيق هامش الخطأ، وتكبر مساحات التخيل والإبداع، ويصل الانضباط الجماعي لمستويات قياسية.
طبعاً لا أقصد أن العين لم تكن له في السابق شخصية، على العكس من ذلك تماماً، وهذا الفريق كون له شخصية، من أول يوم قرر فيه أن ينثر في سماء الكرة الإماراتية الأريج، ولا أدل على ذلك أنه منذ فرد جناحيه وحلق في سماء الألقاب، قطف منها ما يكفيه ليكون هو «الزعيم».
ما أقصده، أن الشخصية التي يظهرها العين محلياً في «دوري أدنوك للمحترفين»، وخارجياً في أمجد مسابقات القارة، هي شخصية مستحدثة، مستوحاة من روح العصر، من المقومات الجديدة التي تفرضها كرة القدم الحديثة، ومن المميزات الفنية والذهنية التي تجعل الفريق كتلة متحركة، يعرف جيداً متى يتقدم ومتى يتراجع، وكيف يستنزف قدرات المنافس، إلى أن يجعله معطل القوى والملكات.
ومباراة الفيحاء، لم تكن في واقع الأمر، إلا تكريساً للشخصية التي تقمصها نادي العين مع مدربه ألفريد شرودر، شخصية الفريق الذي ينتصر أولاً وأخيراً بجماعيته، ومن كان ينتظر أن ينال «الجوليادور» التوجولي لابا كودجو «حصة الأسد» من «الرباعية» التي فاز بها العين، فاجأه أن يكون من أرسل النيازك في المباراة كاكو ورحيمي، وذاك دليل على أن الشخصية الجديدة للعين لا تسجن الأدوار في لاعب بعينه، بل إنها تربط المجموعة بكاملها بكتابة النص التكتيكي، لا يهم من وضع مقدمة الحكاية أو خاتمتها، المهم أن تكتمل الحكاية بتحقيق الفوز.
وقد ربطتني مباراة العين والفيحاء، بما عرفته من انسيابية في الأداء، ومن ذكاء عالٍ في توزيع الجهد، ومن حرفية عالية في بناء الجمل التكتيكية وبخاصة منها، تلك التي تأتي من التحول الدفاعي للهجومي، ربطني ذلك كله بالمواجهة التي أنجزها زميلي العزيز يعقوب السعدي مع مدرب العين ألفريد شرودر على قناة أبوظبي الرياضية، حيث أبرز الرجل بكامل التواضع العمل الذي أنجز حتى الآن، لجعل العين فريقاً جماعياً، يتحرك بإيقاعات مضبوطة، ينتقل بدقة متناهية وبانضباط عالٍ من الحالة الهجومية للحالة الدفاعية، تكون الفرجة الحقيقية في مبارياته، هي طريقة العزف الجماعي على شاكلة «الكورديون»، أو هي في سخاء البحر وجماله عند مده وجزره.
لا أخال أن البناء اكتمل، والعمل يجب أن يتواصل، ليزداد العين توهجاً في رسم الأهداف وبلوغها، وليزداد مناعة ضد حالات الانسداد التكتيكي الذي يحدث لوجود مؤثرات كثيرة، لكن ما شاهدناه حتى الآن يقول إن العين مع شرودر «غير».
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.