يحتفل الأمازيغ في المغرب بذكرى المولد النبوي بطريقة تعبر عن تراثهم الثقافي والديني، وذلك من خلال الشعائر الدينية وجلسات الذكر وإنشاد المدائح النبوية، فيما تعكف النساء على تحضير ما لذ وطاب من الأطباق المحلية وعلى رأسها طبق الكسكس الشهير.
"بشرى لنا معشر الإسلام.. إن لنا من العناية ركنا غير منهدم.. لما دعا الله داعينا لطاعته.. بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم"، بهذه الأبيات من قصيدة البردة للإمام البوصيري يتغنى طلاب الكتاتيب القرآنية في إقليم الحوز الأمازيغي، الذي يبعد 375 كيلومترا جنوبي الرباط، يوم المولد النبوي.
وأكد مولاي أحمد حديدة، الخبير في ثقافة وتراث الأمازيغ، أنه لا تكاد توجد مدرسة من مدارس التعليم القديم أو الكتاتيب القرآنية في الحوز إلا ويحفظ طلبتها عن ظهر قلب قصيدتي البردة والهمزية للبوصيري في مدح الرسول ويؤدونهما بألحان أمازيغية مع أنهما قصديتان باللغة العربية الفصحى.
وقال حديدة في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن الاحتفال بالمولد النبوي في منطقة الحوز يبدأ بقدوم شهر ربيع الأول قبل يوم مولد الرسول في الثاني عشر من الشهر، حيث يتجمع الناس في المساجد لقراءة القرآن والترنم بقصيدتي البردة والهمزية.
وأضاف أنه جرت العادة في الماضي على أن تقام احتفالات شعبية في كافة ربوع المملكة بمناسبة ذكرى المولد النبوي، بالإضافة إلى تلك الأنشطة التي كانت تقام في المساجد وكان يحضرها السلطان بنفسه بصحبة العلماء والشعراء ويتم خلالها إنشاد أشعار في مدح الرسول.
ويتذكر حديدة طفولته في دوار تامنسيت التابعة لإقليم الحوز، قائلا إن كبار القرية ورجالها كانوا يذبحون بقرة أو عجلا على مقربة من أحد الأضرحة احتفالا بذكرى المولد النبوي.
وأضاف "تكون الأجواء تماما كعيد الأضحى، حيث يقدم النساء على طبخ الوجبات الفخمة وبكميات كبيرة، خاصة طبق الكسكس الأمازيغي المُحلى بالعسل والمزين بالتمر والبيض المسلوق ويتم تقديمه في أبهى حلة".
وتابع قائلا "للتمر الذي يزين به الكسكس رمزية مضافة إلى رمزية الكسكس نفسه، وهو بمثابة تعبير عن الحب المبالغ فيه للرسول ولذكرى مولده"، مشيرا إلى أن الكسكس كان يُقدم لأهل القرية جميعهم وأن أغنياء المنطقة كانوا يجلبون أطباقا مجهزة بمختلف الأصناف من منازلهم ويقدمونها لأطفال ونساء ورجال القرية.
وأكد أنه في يوم المولد النبوي تعم القرى الأمازيغية مظاهر الفرح كما لو أنه "العيد الكبير"، أو عيد الأضحى، حيث يحرص الأهالي على شراء ما يسميه المغاربة (الفاكية)، وهي خليط من الفواكه الجافة وبعض الحلويات الشعبية، ويهنئ أهل القرية بعضهم بعضا ويرتدون الملابس الجديدة ويرتدي الأطفال ملابس بيضاء تقليدية وتملأ روائح البخور البيوت.
* عادة مغربية
الاحتفال بذكرى المولد النبوي عادة مغربية دأب المغاربة من العرب والأمازيغ على الاحتفاء بها.
وأوضح حديدة أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بدأ في مدينة سبتة المتنازع عليها بين المغرب وإسبانيا، وذلك في عهد حاكم المدينة أبي القاسم العزفي والذي كانت عائلته أول من احتفل بمولد الرسول.
ويقول عبد الرحيم أمهراز، وهو مرشد ديني أمازيغي، إن أهل القبائل الأمازيغية يجتمعون قبل ذكرى المولد النبوي بحوالي 15 يوما ويجمعون قدرا من المال ويشترون ذبيحة احتفاء بالمناسبة ويتم طبخ نصفها فيما يوزع النصف الثاني صدقة على السكان.
وتابع قائلا "يحرص أهل القرية على أن تجتمع النساء وحدهن فيما الرجال مع فقهاء القرية وحدهم، حيث يتلون القرآن ويقرأون الأدعية وتقدم لأهل القبيلة الولائم وأباريق الشاي ويتشاركون الفرحة جميعهم".
من جانبها، تقول سعيدة أهمين، الناشطة المجتمعية في الحوز، إن المرأة الأمازيغية تجهز في بيتها في ذكرى المولد النبوي مختلف الأطباق التقليدية الشهيرة مثل الكسكس والطاجين بالإضافة إلى طبق هر بر، وهو عبارة عن حساء القمح بالحليب، يوزع صباح يوم المولد على الأهل والجيران.
وأضافت أهمين أن المرأة الأمازيغية تتزين بلباس تقليدي أمازيغي يعرف محليا وتُرفقه ببعض الحلي الفضية الخالصة، وتحرص النساء والفتيات على نقش أياديهن بالحناء، مضيفة "والغريب أن حيوانات البيت أيضا تنال حظها من بعض الحناء كرمز للبركة وتعبير عن الفرحة".
وتحدثت الناشطة المجتمعية الأمازيغية عن عادة يقوم بها أعيان المنطقة تسمى (السلوكت)، وهي عبارة عن وليمة تجمع بين الفقهاء وطالبي العلم في المساجد، حيث يقومون بقراءة القرآن الكريم والدعاء مع باقي أهالي القبيلة ثم يتناولون ما طاب من الطعام معا.