لا يزال مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن، والذي أقرّه مجلس الوزراء وأحاله إلى مجلس النواب (البرلمان) قبل أيام، مثار سجال وجدل واسع في الأوساط الحقوقية والصحفية وحتى السياسية، نظرا لما احتواه من مواد يرى معارضوه أنها تنطوي على تقييد للحريات العامة.
ويخشى أصحاب مواقع إلكترونية أن يُستخدم القانون في حالة إقراره من مجلس النواب "كسيف للحد من حرية الصحفيين في ممارسة عملهم"، بحسب ما قاله نشأت الحلبي، وهو صاحب موقع إخباري محلي.
وأكد الحلبي لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أهمية الحفاظ على السلم المجتمعي مما سمّاه "الشطط الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية"، ووصف ذلك بالضرورة الملحّة؛ لكنه قال إن تخوفا يسود الأوساط الصحفية من أن ظاهر القانون لا يعكس باطنه.
أضاف "العديد من الصحفيين طالتهم الإساءات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يختلفون على ضرورة تغليظ العقوبات على المواد الإباحية والمسيئة واستغلال القُصّر والاحتيال الإلكتروني".
لكنه يرى أن العقوبات في مشروع القانون الجديد شملت المواقع الإلكترونية، "حيث جرّمت الكثير من الأفعال التي تنطوي على عبارات فضفاضة، مثل الذم والقدح واغتيال الشخصية، وهو ما قد يؤدي إلى حماية الخطأ ومن ثم حماية الفساد"، على حد تعبيره.
وقال "ليس من المنطقي كصاحب موقع إخباري أن أراقب تعليقات القرّاء" خوفا من العقوبة التي قد تطال الموقع بناء على تعليقات المتصفحين. والصحفيون مع تجويد المادة الإعلامية المنشورة إلكترونيا؛ لكن دون أن نتحول إلى مراقِبين ومراقَبين بدافع الخوف لا المهنية".
ويتركز الجدل بشأن مشروع قانون الجرائم الالكترونية حول المواد المتعلقة بالعقوبات على كل من استخدم مواقع التواصل الاجتماعي بقصد إثارة النعرات أو الفتنة، أو النيل من الوحدة الوطنية، أو التحريض على الكراهية والعنف والتحقير، والتي تصل عقوبة بعضها إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات وغرامات تصل إلى 50 ألف دينار أردني (حوالي 70.5 ألف دولار أميركي).
* ضرورة لحفظ الحقوق
غير أن عضو مجلس النواب الأردني خالد أبو حسان أوضح لوكالة أنباء العالم العربي أن الهدف من وضع القانون هو ضرورة وجود مرجعية لحفظ حقوق الناس من الجرائم والمخالفات التي تحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع تنامي العالم الافتراضي الذي تستخدمه كافة شرائح المجتمع الأردني.
وقال أبو حسان "كان لابد من وجود قانون للجرائم الإلكترونية، لتغطية الثغرات التي لا تشملها نصوص القوانين الموجودة، ومنها وسائل الدفع الإلكتروني وجمع التبرعات والاستثمار الإلكتروني والشائعات ونقل المعلومات".
ونفى أبو حسان أن تكون مواد مشروع القانون تطال الصحفيين، مؤكدا أن الصحفيين "محصنين" بموجب قانون المطبوعات والنشر.
لكن رولا الحروب، أمين عام حزب العمال الأردني، قالت في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي إن ما سمّته إقحاما لمواد متعلقة بحرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات والاستثمار الرقمي "أخطر ما جاء في مشروع القانون الجديد".
أضافت "هذه الجرائم لا تعريف واضحا لها في القانون؛ والمبدأ القانوني يقول لا عقوبة إلا بنص". وتساءلت "ما معنى اغتيال الشخصية والأخبار الكاذبة ونشر الفتنة؟... كلها عبارات ليست لها تعريفات واضحة في القانون".
واعتبرت الحروب مشروع القانون قد "تجاوز كونه قانونا تقنيا بحتا يتعلق بالقرصنة وإتلاف المعلومات والمواقع الإباحية واستغلال القُصّر، (وتحول) إلى قانون يقيّد الحريات العامة ويشكل خطرا على الحياة السياسية والإعلامية".
وترى الحروب أن الحكومة تريد أن تحصن نفسها من نقد الناس عبر فرض هذا القانون "وأن تمارس السلطة دون أن يحاسبها أحد"، مؤكدة عزم مؤسسات وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني تنظيم وقفات احتجاجية وحملات إلكترونية "لتوعية الرأي العام تجاه خطورة هذا القانون" والمطالبة بسحبه والجلوس على طاولة الحوار للتفاوض والتشاور بشأن مواده.
في المقابل، يرى النائب غازي ذنيبات، رئيس اللجنة القانونية بمجلس النواب، أن هذا القانون "ضرورة ملحة في ظل الفوضى الإلكترونية الموجودة"؛ ويقول إنه لابد من معالجة الوضع تشريعيا، بحيث تكون العقوبة رادعة وعادلة في نفس الوقت.
ونفي ذنيبات أن يكون للقانون علاقة بالإعلام وحرية الرأي، معتبرا أنه قانون "جنائي يخص المواطنين لا الصحفيين، ولا يتعارض مع قانون المطبوعات والنشر".
ويأمل ذنيبات أن يشكل القانون رادعا لمن يتعدى على خصوصيات المواطنين أو يمارس الابتزاز الإلكتروني، بينما يؤكد الخبير القانوني والأمني محمود الخرابشة أن مشروع القانون الجديد "خلافي، ووضع على عجل دون فتح حوار وطني قبل عرضه على مجلس النواب".
وقال الخرابشة إن سبب الجدل حول مشروع القانون هو أن الحكومة "لم تعط فرصة لبحثه ودراسته"، مبديا اعتراضه على المادة 15 من مشروع القانون، التي اعتبرها "قاسية... ووردت فيها عقوبات مغلظة لا تتناسب مع حجم الجرم".
وأشار إلى أن تلك المادة أعطت النيابة العامة الحق في تحريك شكوى دون الحاجة للادعاء بالحق الشخصي، قائلا إن هذا "يعطي صلاحيات للنيابة بتحريك دعاوى ضد الأفراد".
وأكد أن الخلاف ليس على المواد التي تمنع الابتزاز الإلكتروني والقرصنة والتزوير، بل على بعض المواد التي وصفها بأنها "تتنافى مع الدستور الأردني الذي كفل حرية الرأي والتعبير" بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير في حدود ما يسمح به القانون.
ولا يزال قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015 معمولا به في الأردن؛ وينص في المادة 11 منه على أنه "يعاقب كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث